الحكم الذاتي بالصحراء يقترب .. فهل سيفتح معركة النفوذ بين نخب الصحراء وقيادات البوليساريو !

28 أغسطس 2025
الصحراء المغربية

نخب الصحراء – يحضيه ولد ناجم

لم يعد خيار الانفصال في الصحراء المغربية مطروحًا بجدية في النقاشات الدولية، بعد أن حصدت مبادرة الحكم الذاتي دعمًا واسعًا من قوى كبرى كالولايات المتحدة وفرنسا، ومن قوى إقليمية وازنة مثل ألمانيا وإسبانيا ودول الخليج، فضلًا عن عشرات الدول الإفريقية. في المقابل، تطرح المرحلة المقبلة أسئلة أكثر تعقيدًا تتعلق بمصير جبهة البوليساريو وسكان مخيمات تندوف، وبكيفية تنزيل مشروع الحكم الذاتي على أرض الواقع وسط تشابك اعتبارات جيوسياسية واجتماعية وقبلية.

التنافس على السلطة : النخب المحلية في مواجهة قيادة البوليساريو

يتوقع المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات أن تنزيل الحكم الذاتي سيولد تنافسًا محمومًا بين النخب المحلية في الأقاليم الجنوبية، التي ظلت وفية للوحدة الترابية، وبين قيادات البوليساريو التي خاضت عقودًا من النزاع مع المغرب. هذا التنافس لن يكون مجرد صراع سياسي على مناصب برلمانية أو حكومية جهوية، بل قد يعكس أيضًا إرثًا طويلاً من الانقسام والصراع، ما يضع المؤسسة الملكية في موقع الضامن لتوازن حساس بين مختلف الفاعلين.

ويُضاف إلى هذا البعد السياسي عامل آخر لا يقل خطورة: البنية القبلية التي يمكن أن تُلقي بظلالها على عملية توزيع النفوذ والمصالح، بما يفرض ضرورة تصميم آليات قانونية وديمقراطية احتوائية تمنع انزلاق المرحلة الانتقالية إلى صدامات مفتوحة.

سلاح البوليساريو: عقدة مفصلية في المسار الجديد

من بين أعقد الإشكالات المطروحة: مصير السلاح الذي راكمته البوليساريو لعقود. فقبولها بالانخراط في مشروع الحكم الذاتي لا يمكن أن يتم دون التخلي عن العمل المسلح بشكل كامل ونهائي. غير أن هذا الشرط الموضوعي يفتح الباب أمام سيناريوهات مختلفة: هل سيتم تفكيك الترسانة العسكرية وتسليمها؟ أم إدماج جزء منها في هياكل أمنية جديدة تحت إشراف الدولة المغربية؟

هذا الملف لا يخص المغرب وحده، بل يضع المجتمع الدولي أيضًا أمام مسؤولية تقديم ضمانات واضحة لاحتواء السلاح وتفادي إعادة تدويره في مناطق ملتهبة كالساحل والصحراء.

نهاية “الجمهورية الوهمية” وتفكيك البنيات الموازية

أي مسار نحو الحكم الذاتي يطرح عمليًا سؤال تفكيك تنظيم البوليساريو نفسه، بما يعنيه ذلك من انهيار “الجمهورية الصحراوية” المعلنة من طرف واحد، وإنهاء شبكة تمثيلياتها الخارجية. لكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية استيعاب النخب الصحراوية التي تبنت لسنوات خطاب الانفصال، وضمان عدم تحولها إلى معارضة موازية قد تضعف التجربة من الداخل.

*عقدة تندوف : الإدماج الصعب

ملف ساكنة مخيمات تندوف يظل الأعقد والأثقل إنسانيًا وسياسيًا. فهؤلاء الذين تعتبرهم الجزائر والبوليساريو “لاجئين” بينما تصفهم الرباط بـ”المحتجزين”، يمثلون كتلة اجتماعية غير متجانسة ثقافيًا وقبليًا. إدماجهم في النسيج المغربي يتطلب حذرًا بالغًا، خصوصًا أن سنوات من العزلة والدعاية تركت آثارًا عميقة على وعيهم وهويتهم.

ورغم ذلك، يرى خبراء المركز أن الخيار البراغماتي لإدماجهم، خصوصًا النساء والأطفال والعائلات التي أنهكتها المآسي، قد يكون خطوة ضرورية لإنهاء معاناة إنسانية ممتدة منذ عقود.

*نحو أفق جديد للنزاع

في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن العالم يتعامل مع الحكم الذاتي باعتباره الإطار الواقعي والنهائي لتسوية نزاع الصحراء. لكن نجاح هذا المسار لن يقاس فقط بقدرة المغرب على فرض سيادته أو تفكيك البوليساريو، بل أيضًا بمدى نجاحه في إدارة مرحلة انتقالية معقدة، يتداخل فيها السياسي بالقبلي، والأمني بالإنساني.

إنها مرحلة دقيقة، لا تحتمل حسابات صفرية، بل تتطلب مزيجًا من الحزم والاحتواء، ومن الانفتاح والصرامة، لتفادي إعادة إنتاج الأزمة بأشكال جديدة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *