الريع الإقتصادي بالصحراء … زواج المال بالسياسة .. حين تتحول المجالس إلى صفقات

13 أكتوبر 2025
الريع الإقتصادي بالصحراء … زواج المال بالسياسة .. حين تتحول المجالس إلى صفقات

نخب الصحراء – إفتتاحية بقلم كريم تكنزا

ظهرت في السنوات الأخيرة بالصحراء نخب محلية لم تكن تملك بالأمس القريب ثمن عشائها لتتحول فجأة لنخب ثرية تحضى بمكانة إجتماعية مخملية, هؤلاء الذين انغمسوا في الريع الإقتصادي متقنين فن زواج السلطة بالمال, نعم فالسياسة بالصحراء لم تعد ممارسة بقدر ما هي ورقة يناصيب مربحة تنقل ممارسيها من طبقة زيت العود إلى طبقة القشدة الطرية.

في هذا المقال الافتتاحي سنحاول تفكيك ظاهرة زواج السلطة بالمال بالصحراء وكيف تستغل السياسة لخدمة الأرصدة البنكية عوض الساكنة.

هيمن في المشهد السياسي والإقتصادي بالصحراء مصطلح ( زواج السلطة بالمال ) على القاموس, مصطلح يبدو بسيطاً في ظاهره، لكنه يخفي وراءه واحدة من أخطر الظواهر التي تهدد الديمقراطية الناشئة في بلادنا، وتفرغ مؤسساتها من مضمونها الحقيقي.
فعندما يختلط المال بالقرار، تتحول السياسة إلى سوق، والانتخابات إلى صفقة، والمجالس إلى استثمارات، والمواطن إلى مجرد رقم في معادلة النفوذ, في الأقاليم الجنوبية، حيث تراهن الدولة على نموذج تنموي جديد يروم العدالة المجالية والكرامة الاقتصادية، تبدو هذه الظاهرة أكثر حساسية من أي مكان آخر. فهناك، تتقاطع السلطة السياسية مع الثروة، وتتقاطع المصالح الشخصية مع الشأن العام.
نخب محلية تجمع بين المقاولة والتمثيل الانتخابي، بين المال والقرار، بين الوعود التنموية والصفقات المربحة.
إنها معادلة دقيقة تُهدد بتحويل “الجهوية المتقدمة” من مشروع لإعادة توزيع السلطة، إلى مجرد واجهة لتكريس الريع بأشكال جديدة.

في كثير من الاستحقاقات الانتخابية، أصبح المال بمثابة ورقة ”الجوكر” في رسم خريطة النفوذ المحلي, خاصة بين الأحزاب المتطاحنة, فالناخب لا يصوت على البرنامج، بل على “الفاعل الاقتصادي” الذي يُغدق الوعود ويُسيطر على الموارد ويبسط هيمنته على جل القطاعات الحيوية من خلال الشركات المستحوذة على الصفقات من تحت الطاولة.
فزواج السلطة بالمال أو بتعبير أكثر دقة زواج السياسة بالمال، لم يعد مجرد ظاهرة بل أصبح بمثابة ذلك السرطان الذي ينخر الكفاءة أمام هذا النفوذ الريعي، حيث يقصى الشباب والأطر النزيهة لصالح من يملك “القدرة على التمويل”.حينها، لا تبقى الديمقراطية سوى واجهة جميلة لنظامٍ عبثي غير متوازن، يكرّس الزبونية والاحتكار ويقتل روح المبادرة وتكافئ الفرص.

في المقابل، يتحول القرار العمومي إلى أداة لتكريس الثروة, صفقات عمومية تُمنح في اتجاهات معروفة، مشاريع تنموية تستفيد منها الشركات نفسها، ومجالس منتخبة تصبح منصات لحماية المصالح عوض تدبير الشأن العام.
بهذه الطريقة، يتراجع المشروع التنموي في جوهره، وتُفرغ المبادرات الملكية من مضمونها، لأن التنفيذ يصبح رهيناً بمصالح شخصية لنخب تسعى وراء تنميق مكانتها الإجتماعية لا بمخططات تنموية موضوعية.

حين يشعر المواطن في العيون أو الداخلة أو كلميم أن السياسي هو نفسه رجل الأعمال، وأن المال هو من يُقرر من يحكم، تتزعزع الثقة في المؤسسات. لتصبح السياسة في نظر العامة مجردة مسرحية يرتدي ممارسيها أقنعت الإصلاح, فعزوف الشباب اليوم عن التصويت ليس صدفة, بل هو رد فعل على الإحساس بعدم التكافؤ وعدم الرضى على نفس الوجوه الثرية التي احتكرت السياسة لسنوات دون إحداث تغيير يعيد الثقة للمؤسسات والنخب.
فالمواطن الصحراوي اليوم قد مل من مسرحية المجالس التي تتعالى فيها أصوات تجيد فن الصياح مقابل واقع كارثي يعكس فشل النخب في تدبير الشأن, فالصحراء اليوم بحاجة أن ترى وجوهاً تمثلها فعلاً، لا من تعتبر السياسة وسيلة لتوسيع ثرواتها.
وهنا تكمن خطورة زواج المال بالسلطة الذي نتج لنا نخب بدون جدوى وديمقراطية بلا ثقة”، ومؤسسات بلا مصداقية.

الإصلاح ممكن، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقة, تبدء من المواطن نفسه قبل المنتخب فاليوم واجب على الشباب أن يشاركوا في العملية الإنتخابية لفرز نخب شابة و أخرى واعية بما يدور حولها من تحديات لا نخب تدور حول نفسها ومستقبل أبنائها.
القوانين والإرشادات وحدها لا تكفي، ما لم تُفعَّل أيضا أجهزة الرقابة والمحاسبة وتُقطع العلاقة بين القرار والمصلحة.
يجب أن نعيد الاعتبار إلى الشفافية والنزاهة والكفاءة كمقاييس للترقي السياسي الذي نخره الريع ولازال ينخر، لا إلى القدرة على الإنفاق الانتخابي أو بناء شبكات الزبونية, ويجب أن يكون الإعلام والمجتمع المدني حاضرين بقوة، لتسليط الضوء على كل حالات تضارب المصالح، لا لتجميلها أو التغطية عليها.

في الصحراء المغربية، التنمية ليست ترفاً، بل خيار وجودي.
وإذا كانت الدولة قد وضعت كل إمكانياتها لإنجاح النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، فإن النخب المحلية مدعوة اليوم إلى مراجعة علاقتها بالسياسة. فالسياسة ليست ورقة يناصيب أو أداة للاغتناء، بل مسؤولية لخدمة الناس تطلعاتهم.
وحين تُفصل الثروة عن القرار، فقط آنذاك يمكن أن تزدهر الجهوية، وتولد نخبة جديدة تُؤمن أن المال وسيلة للإنتاج، لا أداة للهيمنة. وأن المجالس فضاء للترافع لا للتمثيل.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *