خصوصية المنطقة وغياب الرقابة .. يعززان ثقة الإفلات من العقاب ويشجع على إستمرارية الفساد بالصحراء

21 نوفمبر 2024
كريم تكنزا

نخب الصحراء – كريم تكنزا 

يورد الفصل الأول من الدستور المغربي المعدل عام 2011 أن “النظام الدستوري للبلاد يقوم على أساس فصل السلطات، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة”. بينما الفصل 154 يقول “تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور”.

وتنزيلا لمقتضيات هذا الفصل وفي سابقة من نوعها في حملة سميت بــ’’ زلزال الاعتقالات’’ اعتقلت السطات الأمنية خلال فترات زمنية متقاربة نواباً برلمانيين ومسؤولين وشخصيات معروفة، وأحالتهم على القضاء إذ حكم على بعضهم بالسجن، فيما ينتظر آخرون دورهم، بتهم تتوزع بين الاتجار بالمخدرات والفساد المالي والتزوير واستغلال السلطة.

وعلى رغم تثمين محللين لهذه الاعتقالات والأحكام بالسجن، باعتبار أنها تجسد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة كما نص عليه الدستور المغربي، إلى أنه وفي نظر بعض المحللين لم يتمكن هذا ‘’ المبدأ ‘’ من بسط نفوذه بالأقاليم الجنوبية التي وصل فيها الفساد لمستويات عالية وصل بعضها لحد إستغلال النفوذ بينما الأخر في زواج السلطة بالمال…

فيما رجح بعض المحللين إلى أن غياب الرقابة بالصحراء والإفلات من العقاب يرجع بالذات ‘’ لخصوصية المنطقة ’’ باعتبارها منطقة نزاع إقليمي يفرض استثناءات على مؤسسات الدولة في التعامل مع من هم محسوبين على المنطقة.

متتبعين الشأن المحلي بدورهم لاحظوا أن الصحراء اليوم باتت معقل الفساد و المفسدين في ظل الصمت الرهيب للمؤسسات و الهيئات الرقابية, لم يقف الحد هنا بل بات الفساد علنيا كشفت عنها زلات تصريحات لبعض المنتخبين بمبالغ خيالية فيما أخرى يكشفها أصحابها من خلال مقررات الميزانيات ,ناهيك عن بعض التجاوزات المفرطة و العلنية في إستغلال الأراضي و البقع و تحويلها لممتلكات شخصية إضافة إلى تضارب المصالح الذي خيم على معظم المجالس المنتخبة … الشيء الذي بات يطرح السؤال, ما هذا “الانفلات المالي” الذي يتمدد في كل اتجاه داخل المؤسسات المنتخبة بالصحراء ؟ وما الجدوى من الاحتفاظ بالمبدأ الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة إذا ظل تدبير الشأن العام بالأقاليم الجنوبية بيد عائلات تعيش من الريع ومن المال العام ومن السياسة دون أن تخضع لمسطرة المحاسبة؟ وهل فعلا تم تقزيم مؤسسات الدولة من طرف بعض النخب التي ترى في نفسها ‘’الفرعونية’’ ؟

فالنخب السياسية والإدارية بالصحراء وبفعل غياب الرقابة إزداد يقينها وتكونت لها قناعة تامة أن الصحراء منطقة (مقننة) تحميها من الخضوع للرقابة ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الشي الذي عزز من إنتشار سلوك الفساد بشكل لافت في مختلف القطاعات، شخصيا لم أعد أستوعب ما أراه واسمعه، على لسان بعض من أعيان الصحراء، من أرقام ومن ملايير من ميزانيات تتبخر في الهواء الطلق على يد سياسيين يتصرفون كما لو أنهم أقوى من الدولة وأقوى من الأمم المتحدة وأقوى من مجلس الأمن..
بل إن المتأمل في هذا “الانفلات المالي” وفي هذه “السيبة المالية” ينتابه إحساس كما لو أن تطبيق القانون والدستور اقتصر فقط على مدن الشمال فيما استثني بكل أرياحية مسؤولي ومنتخبي الجهات الجنوبية الثلاث ولا حتى بعض العائلات التي شبت عن الطوق التي لم تعد تراعي المؤسسات و الخطابات الملكية التي ما فتئت تؤكد على ضرورة تخليق الحياة السياسة و العمل بروح وطنية.
وفعلا فما جاء في بعض الفيديوهات على لسان البعض وغيره وما تضمنته هذه الفيديوهات من وثائق ومن معلومات هو “شوهة عالمية” للوطن..
حتى لا أقول إن هذا الذي يقع في أقاليمنا الجنوبية هو جنازة وطن لا أقل ولا أكثر..
ثم إن مشروع الحكم الذاتي، الذي تراهن عليه بلادن اليوم في حلحلت نزاع الصحراء المغربية، هو أكبر من أن تساهم، في تنزيله، هذه العينة “غير الموقرة” من الأعيان والمنتخبين الذين تجاوزوا كل الخطوط الحمراء.
وظني أن وجود هذه “العينة” من الأعيان ومن المنتخبين الذين يؤثثون واجهة الصحراء فيه ربما “تشويش” على نزاهة وجدية ومصداقية هذا المشروع.
لا ننسى أن الطاوجني اليوتبرز و الصحفي لخص كل شيء واختصر “مأساتنا الجماعية” في ما يشبه هذا الكلام، هذه العينة من الأعيان ومن الأثرياء ومن المنتخبين الذين يدبرون الشأن المحلي بالصحراء هم أخطر من أي عدو يتربص بالوطن. فالصحراء اليوم تحتاج لتظافر الجهود و القطع مع المستبدين و المرتاعين الذي شوهوا صورة الوطن، والقطع مع أساليب توريث المناصب للأبناء الذي عمرو جل المجالس، تجدهم في البرلمان و الجماعة و الجهة و الغرف المهنية… هؤلاء هم أعداء التنمية و الديمقراطية, كفانا عبثا وكفاكم ريعا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *